Home اخبار البحث عن الجثث في غزة.. قصة مأساوية لعائلة تحت الركام

البحث عن الجثث في غزة.. قصة مأساوية لعائلة تحت الركام

8
0



محمد عيسى (40 عامًا)، طبيب وابن شقيق الضحايا، استأجر جرافة بمقابل مادي ونسق مع جهاز الدفاع المدني في محاولة يائسة لانتشال جثث أقربائه من تحت الركام. لكن أمنياته تبددت عندما واجه إطلاق نار من قبل الجيش الإسرائيلي، مما أجبره على الفرار.

يقول محمد: “كل ما أريده هو استخراج جثث خالي وزوجته وابن خالي ودفنهم وفقًا للشريعة. هذا أفضل وقت لفعل ذلك خلال الهدنة الحالية، لكن الاحتلال يعيقنا”.

ويضيف لموقع “سكاي نيوز عربية”: “بعد أيام من مقتل أقاربي في قصف منزلهم حاول أحد الأقارب انتشالهم لكنه لحق بهم حينما أطلقت مسيرة إسرائيلية النار عليه وقام بعد ذلك الجيران بسحب جثمانه في ظروف معقدة ومواراته الثري”.

قصة عائلة عيسى ليست سوى واحدة من آلاف الحكايات المأساوية للمفقودين في غزة جراء الحرب الطاحنة التي استمرت لنحو 15 شهرًا.

ووفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي في القطاع، هناك ما يقرب من 14 ألف مفقود تحت الأنقاض منذ بدء الحرب الإسرائيلية الأخيرة.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة، لم يتم انتشال سوى 520 جثمانًا حتى الآن بسبب نقص المعدات الثقيلة والظروف الأمنية المعقدة، وفق إحصاءات السلطات في غزة.

هربوا من سوريا فقتلوا في غزة

عائلة عيسى، التي كانت لاجئة في سوريا، عاشت سنوات من الترحال. بعد أحداث 2011، لجأت العائلة إلى غزة، حيث تنقلت خلال أشهر الحرب المروعة بين عدة مناطق قبل أن تستقر أخيرًا في منزل قرب تل النويري.

يقول محمد: “لم يكن لهم ذنب. لجؤوا إلى هذا المنزل في نوفمبر الماضي، وكان يقطنه عدة عائلات. عندما استهدف الجيش الإسرائيلي الطابق العلوي، رحل الجميع وبقوا هم في الطابق الأرضي”. لكن القدر لم يمهلهم طويلًا.

قبل الهدنة الحالية بشهر، تعرض المنزل للقصف، وانهار على رؤوس ساكنيه، لتدفن العائلة تحت الأنقاض. يضيف الطبيب المكلوم: “لم أكن أتخيل أن نهاية خالي وعائلته ستكون بهذه القسوة”.

محاولات يائسة ورفض إسرائيلي

عقب دخول الهدنة حيز التنفيذ، حاول محمد مع أقاربه انتشال الجثث. يقول: “ذهبنا إلى المكان وانتشلنا جثة ابن خالي يوسف، لكنها كانت من دون رأس. حاولنا استكمال العملية، لكن إطلاق النار من قبل الجيش الإسرائيلي أجبرنا على الفرار”.

وفي محاولة أخرى، استأجر محمد جرافة ونسق مع الدفاع المدني والصليب الأحمر الدولي للحصول على إذن إسرائيلي، لكن طلبه قوبل بالرفض.

وعندما توجه مع فريق الدفاع المدني إلى الموقع، تعرضوا مرة أخرى لإطلاق نار، مما أدى إلى إفشال المهمة.

واقع مرير للدفاع المدني

يقول الناطق باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل: “تلقت المديرية العامة للجهاز أكثر من 2750 بلاغًا من أهالي المفقودين منذ بدء الهدنة، لكننا نواجه صعوبات جمة في تنفيذ مهامنا”.

ويضيف لموقع “سكاي نيوز عربية”: “فقدنا 85 بالمئة من مقدراتنا المادية خلال الحرب، بما في ذلك المركبات والمعدات الثقيلة. نحن بحاجة ماسة إلى الدعم لانتشال الجثامين المتبقية”.

ويتابع: “حتى الآن، لم نتلق أيًا من المعدات المطلوبة، مما يعيق عملياتنا ويخالف الأعراف الدولية الخاصة بإكرام الموتى”.

دمار شامل في غزة

على مدار 15 شهرًا من الحرب الأقسى خلال القرن الحالي، دمر الجيش الإسرائيلي مدنًا كاملة في شمال ووسط وجنوب قطاع غزة، حيث علقت جثث الآلاف من الضحايا تحت الركام، وفق شهادات ناجين.

يقول إبراهيم الزقزوق (52 عامًا)، الذي عاد من دير البلح وسط القطاع إلى منزله في منطقة بيت لاهيا شمالًا الأسبوع الماضي: “ابني وزوجته وأطفاله الثلاثة لم ينزحوا معنا، لكنني لم أجدهم حتى الآن”.

وأضاف: “سألت في كل مكان، واليوم أحفر تحت البيت ولم أصل إلى شيء”.

قبل وقف إطلاق النار الحالي، نفذ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة استمرت مائة يوم على مدن شمال القطاع وسوّاها بالأرض في إطار عملياته لسحق حركة حماس، التي نفذت هجومًا غير مسبوق على جنوب إسرائيل يوم 7 أكتوبر 2023.

نداء إنساني عاجل

في ظل استمرار المعاناة، يوجه محمد والزقزوق نداءً إلى المجتمع الدولي: “نحن نحتاج إلى مساعدة عاجلة لانتشال جثث أحبائنا ودفنهم بكرامة. هذه ليست مجرد قضية إنسانية، بل مسألة كرامة وإنسانية”.

لكن في غزة، حيث الحرب تترك ندوبًا عميقة في الذاكرة الجمعية، يبدو أن أمل العائلات في إغلاق جراحهم يبقى بعيد المنال، بينما تستمر الحكايات المأساوية للمفقودين تحت الأنقاض في الظهور، واحدة تلو الأخرى.