Home لعبة عن الخروج الروسي من سوريا..!

عن الخروج الروسي من سوريا..!

8
0



جاء ذلك في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC، حيث أشار الشرع إلى أن سوريا لن تستطيع أن “تنفك انفكاكا سريعا عن روسيا بهذه السرعة”، مشددا على أن الإدارة السورية الجديدة مهتمة “ببناء علاقات استراتيجية وإعادتها مع روسيا على أساس سيادة الدولة السورية واستقرار أمنها واستقلال قرارها”.

وفي حديثه السنوي مع المواطنين ووسائل الإعلام قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخميس 19 ديسمبر: “نعول على أن يعمّ السلام والهدوء في سوريا، ونبني علاقاتنا مع جميع المجموعات التي تسيطر على السلطة هناك، ومع دول المنطقة كافة. وسنفكر في بقاء قواعدنا في سوريا، ونقرر ما إذا كنا سنبني علاقات مع القوى السياسية المسيطرة أو سوف تسيطر على مقاليد الحكم في البلاد، وهو ما يتطلب البحث من قبل الطرفين عن أرضية مشتركة”.

وأشار بوتين إلى اقتراحه للشركاء بما فيهم الموجودين على الأراضي السورية باستخدام القاعدة الجوية في حميميم لإيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، ونفس الشيء بالنسبة للقاعدة البحرية في طرطوس.

وقد أكد الشرع في حواره مع BBC على عدم عجلة القيادة السورية الحالية في “خروج روسيا” حيث قال: “لسنا مستعجلين على أن تخرج روسيا من سوريا بالشكل الذي يتصوره البعض، ونحن بدأنا قنوات تواصل مع روسيا”، وأكد على أن “القواعد الروسية ستبقى في سوريا، وسنعيد النظر في بعض الفقرات الجائرة في الاتفاقيات بين روسيا والنظام السابق، والشعب هو من يقرر”.

وكان متحدث الكرملين دميتري بيسكوف قد صرح الأسبوع الماضي بأن روسيا “ساعدت الجمهورية العربية السورية في وقت من الأوقات على التعامل مع الإرهابيين، وساعدت في استقرار الوضع بعد أن هدد هذا الوضع المنطقة بأكملها، وبذلت روسيا الكثير من الجهد من أجل ذلك، ثم أنجزت مهمتها، وعملت قيادة الرئيس الأسد بعد ذلك بشكل مستقل، وكانت منخرطة في التنمية ببلدها”.

وأؤكد فيما يتعلق ببشار الأسد فإن روسيا قد سمحت له بدخول أراضيها “نظرا لاعتبارات إنسانية”، ولم تمنحه حق “اللجوء السياسي”، وشتان بين الاثنين. حيث أن الحالة الأولى تعني أن بشار الأسد لم يعد له أي صفة رسمية، وعندما تم التوصل لقضية مغادرته سوريا، وعدم إعطاء أية أوامر للأجهزة الأمنية وقيادة الجيش بمواجهة المجموعات والتنظيمات المسلحة، وافق على المغادرة المبدئية إلى روسيا، إلا أنه طلب، في الوقت نفسه أن يسمح له بلقاء الرئيس بوتين، وقد تمت الموافقة على طلبه، وهو ما ذكره الرئيس بوتين في لقائه الصحفي حينما سئل عن مصير الصحفي الأمريكي أوستن تايس المجهول المصير منذ 11 عاما، وقد تعامل الرئيس بوتين أيضا مع هذه القضية بالنظر إلى الاعتبارات الإنسانية، ووعد علنا أنه سيسأل عن ذلك بشار الأسد حين لقائه.

إن خروج أو عدم خروج روسيا من سوريا لا ولن يؤثر من قريب أو من بعيد على وضع روسيا وانتصاراتها في المعارك على الأرض في حربها مع الغرب الجماعي بأيدي أوكرانيا، وسؤال صحفي BBC ستيف روزنبرغ بشأن “ضعف روسيا!” استنادا إلى ما يريد ويريد أرباب عمله في بريطانيا أن يراه لا ما يرصده من واقع انطلاقا مما يفترض أنه حصافته وخبرته الصحفية وموضوعيته في نهاية المطاف.

إن ذلك لا ينم سوى عن سوء تقدير للدور الذي تقوم به روسيا في نقل العالم من الأحادية القطبية إلى التعددية القطبية. لا سيما أن زمن الهيمنة الأحادية للغرب والولايات المتحدة وبريطانيا قد انتهى فعلياً، وأصبحنا جميعاً على أبواب عالم جديد.

لذلك فـ “الضعف” الروسي الذي يتحدث عنه الزميل روزنبرغ غير موجود سوى في مخيلته، ويدل على مدى الحقد تجاه الإنجازات التي حققتها روسيا في الساحة العالمية، والتي أفشلت كل مخططاتهم لإضعاف روسيا و”هزيمتها استراتيجياً” كما يدّعون. وهذا الحقد الأعمى جعلهم يتجاهلون تطور روسيا والعالم أجمع في الاتجاه الجديد الذي يتعارض ومصالحهم، التي كانوا يريدون الحفاظ عليها بالاستمرار بالهيمنة على حساب مصلحة وتطور وازدهار بلدان العالم وخاصة الجنوب العالمي.

لا شك أن الوضع في سوريا معقد ومشتبك ولازال بعيدا عن الحل برغم كل التفاؤل والحالة الاحتفالية المستحقة للشعب السوري، فقد ورث هذا الشعب إلى جانب التركة الثقيلة التي تركها الأسد، عقوبات أحادية غير قانونية، ستحتاج الكثير من الموائمات والمفاوضات واللقاءات وحتى التنازلات كي ترفع العقوبات، وترفع أسماء شخصيات وتنظيمات من قوائم الإرهاب، حتى يتسنى للشعب أن يحصل على حقه الطبيعي في المساعدات الإنسانية والتمويلات الضرورية لإعادة الإعمار.

ناهيك عن أن علاج كل مخلفات تلك الحقبة ستحتاج إلى قدر رفيع من الحكمة والرشد والتريث وقبول الآخر والعفو عند المقدرة عمن لم تتلوث أياديهم بدماء السوريين. لكني متفائل بأن القيادة المؤقتة الحالية لسوريا، وفيما أرى من خطابات مبشرة، قادرة على تجاوز كل هذه المصاعب الجسام.

وأعتقد فيما أعتقد أنه لولا ثقة دول مجموعة أستانا (روسيا وتركيا وإيران) بهذه القيادة، لما تم اتخاذ القرار الفاصل خلال الـ 48 ساعة الأخيرة لنظام الأسد، بإجبار بشار الأسد على ترك السلطة والتنازل عنها، وإعطاء الأوامر للأجهزة الأمنية والجيش العربي السوري بعدم مواجهة التنظيمات المسلحة، والمتغيّرات على الأرض أوضحت ولا زالت توضح بجلاء أن القرار يحظى بتأييد للأغلبية العظمى من الشعب السوري، وتعكس سخطهم وعدم قدرتهم على تحمل نظام بشار الأسد.

أما فيما يخص تأمين الأصدقاء الإيرانيين ونقلهم إلى إيران، فهذا يؤكد على أن روسيا “لا تترك أصدقاءها”، كانت دائما كذلك وستظل دائما تؤمن بالقيم والمبادئ الراسخة في عمق الثقافة الروسية، ويؤكد ذلك أيضا على الموقف الموحد لدول مجموعة أستانا.

لقد أنقذت روسيا سوريا دمشق من الدمار، ومن نشوب حرب أهلية طائفية تذهب بالأخضر واليابس، عندما أخرجت الفصائل المسلحة من ضواحي دمشق إلى إدلب، واليوم، بالتعاون مع تركيا وإيران، تعاود روسيا الكرة، وتنقذ سوريا من خطر حرب أهلية واسعة ومدمرة، لأن أي انشقاق في الجيش السوري، مع استخدام الطيران وسلاح الصواريخ والمدفعية والدبابات، إضافة إلى تصدع الأجهزة الأمنية، كان سيسفر عن كارثة محققة، وتم تفادي كل ذلك، وتم إفساح المجال لإرادة المجتمع السوري، لاستعادة استلام زمام السلطة بشكل سلمي، وتفادي أي اقتتال سوري سوري.

أعتقد أن حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتصريحات الخارجية الروسية وعدد من المسؤولين الروس تدل على اقتراب إمكانية رفع جبهة تحرير الشام وعدد من التنظيمات والفصائل السورية المعارضة من قوائم الإرهاب، وإلغاء كافة الإجراءات المتخذة ضدها من الجانب الروسي، وهو ما سيسهل الكثير من الإجراءات، وسيعمل على عودة العلاقات الطبيعية مع القيادة السورية الجديدة، خاصة أن أغلبية من ينتمون إلى هذه التنظيمات، وعلى مدى أكثر من عشر سنوات من القتال، قد ابتعدوا عن العنف، وحصلوا على تأييد شعبية سورية واسعة، تثبت أحداث اليوم أنهم يمثلون غالبية المجمع السوري وتتعاطف معهم قطاعات عريضة من هذا الشعب.

كذلك فإن ملايين اللاجئين في الشتات تواقون للعودة إلى تراب وطنهم الغالي، بعد عشرات السنين من الخوف والشك والارتياب. لا شك أن هناك جهات خبيثة لا زالت تضخم التجاوزات والمحاذير، إلا أنني على ثقة أن الشعب السوري الواعي، والذي تمكن من التخلص بحكمته وحنكته والتفافه حول الثورة السورية من بشار الأسد ونظامه، سيتمكن في أقرب فرصة ممكنة من بسط سيادته الحرة المستقلة على كامل أراضي وطنه الحر والمستقل.

الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب